كنت أنا فتاة... (هكذا حدثتنا) أعيش بهواي.. أتفنن في زينتي ومكياجي.. وعطري يفوح لأمتار.. ليرى الناس كم أنا أنيقة وجميلة..
وذات يوم.. خرجت إلى السوق مع والدتي.. وبينما أنا أمشي إذ سمعت فجأة صوتاً من خلفي ينادي بصوت يقطر حباً وحناناً:
يا حبيبتي... يا حبيبتي.. فالتفت فإذا بسيدة تصافحني بحرارة .. فصافحتها بدهشة .. فشدت على يدي وقالت بصوت ملائكي حنون: يا حبيبتي... إني أرى الله قد ألقى على وجهك نوراً.. فلا تطفئيه.. بظلمة المعصية... فأخذتني العزة بالإثم ونترت يدي من يدها ومضيت غير أني أحسست كأنما كلماتها قد نقشت في قلبي...
فلما عدنا إلى البيت... صارت تأخذني رعدة شديدة كلما ذكرت كلماتها (إني أرى الله قد ألقى على وجهك نوراً ... ).
وساقتني كلماتها إلى المرآة .. ونظرت إلى وجهي.. كأنما أراه لأول مرة.. وخيل إليَّ في وجهي نوراً يضيء ثم يخبو ... عندئذٍ ... رنت في فؤادي كلماتها (فلا تطفئيه بظلمة المعصية ... )
صليت في هذه الليلة... صلاة العشاء، صلاة متدبرة لأول مرة في حياتي... ثم أويت إلى فراشي... غير أن النوم جفاني... وبدأت كلماتها ترنُ من حولي... فلا تطفئيه... فلا تطفئيه... فلا تطفئيه... وأخذت تتجاوب بها جنبات الليل... حتى خيل لي أني أسمع صوتاً يناديني يا فلانة ... إن الله قد ألقى على وجهك نوراً... فلا ... عندئذٍ لم أدع الصوت يكمل بل قمت مسرعةً إلى سجادتي... وقلبي يكاد ينخلع من شدة الخفقان... وخررتُ ساجدة وأنا أهتف أعاهدك يا رب... ألا أطفئه أبداً... وبدأت الدموع تنهمر مدراراً وأنا أقول: يا رب... لقد أمهلتني طويلاً... ما أكثر نعمك... وما أقل حيائي... يا رب.. وترددت صيحة الحق ودوت في جنبات الكون من المسجد المجاور لبيتنا وأنا في بكائي ونشيجي .. ومن لحظتها وفيت بعهدي فلم أطفئه بمعصية أبداً...
حينئذٍ التفت إلى وجهي فإذا هو يتألق نوراً ...